
هناك لاعبو كرة قدم تُعرّف عظمتهم بالاستمرارية، وهناك آخرون كالنيازك الساطعة—يكفيهم موسم واحد ليصبحوا خالدين. في أولمبيك مارسيليا، كان ديدييه دروغبا من النوع الثاني. ملك لم يُتوّج بالزمن، بل بالحق، في قلوب جماهير فيلودروم، بعد موسم لا يُنسى.
قبل أن يصبح رمزاً في تشيلسي، وقائداً لساحل العاج، وأسطورة في دوري الأبطال، ارتدى دروغبا القميص الأبيض والأزرق السماوي لمارسيليا، حيث كان في موسم 2003-2004 ليس مجرد مهاجم، بل ظاهرة كروية.
👑 وصول البطل المتردد
وقّع مارسيليا مع دروغبا قادماً من غينغان صيف 2003 مقابل 6 ملايين يورو—مبلغ لم يكن ملفتاً وقتها. كان عمره 25 عامًا، أي أكبر من معظم المواهب الصاعدة، ولم يحظَ بالكثير من الضجة خارج نطاق الدوري الفرنسي. لكن لم تمضِ سوى بضعة أسابيع حتى أدركت فرنسا، ثم أوروبا، أن شيئاً استثنائياً قد وُلد.
بفضل قوته الجسدية، ولمساته الحاسمة، وكاريزمته الطاغية، سجل دروغبا أهدافاً لم تكن عادية. لم تكن مجرد لمسات في الشباك، بل بيانات صاخبة. سجل 19 هدفًا في 35 مباراة بالدوري، و32 هدفًا في 55 مباراة في جميع البطولات. لكن الأرقام لا تقول كل شيء—بل التوقيت، والدراما، وكيف أن المدينة كلها تنفست مع دروغبا.
🎺 هتاف الحرب في فيلودروم
اللعب لمارسيليا يعني أن تحمل على كتفيك آمال مدينة كاملة. الجماهير لا تشجعك فقط—بل تطالبك أن تنزف لأجل الشعار. دروغبا لم يكتفِ بقبول هذا العبء، بل احتضنه بالكامل. سواء بتفوقه على المدافعين، أو تسديداته القوية، أو ملاحقته للكرات المستحيلة، قدم كل شيء—وطلب كل شيء من من حوله.
لاحظت الجماهير ذلك. كما تفعل دائمًا. تحول الفيلودروم، المعروف بصراحته وقسوته، إلى مسرحٍ للعبادة. عندما يسجل دروغبا، كانت الهتافات تهزّ الأرض. وعندما لا يسجل، ظلوا يرددون اسمه، لأنهم رأوا النيران في عروقه. وبحلول الشتاء، لم يعودوا يتحدثون عن دروغبا كلاعب، بل عن ديدييه، ملكهم.
🌍 المسرح الأوروبي: الأسطورة تتوسّع
في بطولة كأس الاتحاد الأوروبي موسم 2003-04، تجسدت أسطورة دروغبا. أرعب دفاعات أوروبا، وسجل ضد ليفربول، إنتر ميلان، نيوكاسل وغيرهم. وكان هدفاه في نصف النهائي ضد نيوكاسل قمة ما يقدمه دروغبا: مزيج من القوة، والأناقة، والحتمية.
رغم خسارة النهائي أمام فالنسيا في غوتنبرغ، غادر دروغبا الملعب مرفوع الرأس. فقد قاد فريقاً غير مثالي إلى مشارف المجد الأوروبي. والأهم، أعاد إلى مارسيليا إيمانها بـ”السحر الكروي”.
💔 رحيل مُرّ… وحب خالد
ناداه تشيلسي في ذلك الصيف. ولم يكن لمارسيليا أن يرفض. ولا دروغبا، الذي كان مصيره في إنجلترا. لكن رحيله لم يكن خيانة، بل وجعاً. لم يُحرق المشجعون قميصه، بل بكوا. كتبوا الأغاني. وتذكّروه.
بعد سنوات، حين عاد تشيلسي لمواجهة مارسيليا في دوري الأبطال، لم يُقابل دروغبا بصافرات الاستهجان، بل بتصفيق حار. حتى حين ارتدى ألوان “العدو”، بقي الملك محبوبًا. وقد طلب بنفسه ألا يتم تجميد قميصه رقم 11، قائلاً:
“دعوا أحدهم يحاول أن يجعل الرقم أسطورياً من جديد.”